أصدقائي الأعزاء
اخترت لكم هذه المقتطفات من كلام ابن القيم رحمه الله
أتمنى تعجبكم
للعبد ستر بينه وبين الله، وستر بينه وبين الناس؛ فمن هتك
الستر الذي بينه وبين الله هتك الله الستر الذي بينه وبين الناس للعبد ربٌ هو
ملاقيه، وبيت هو ساكنه؛ فينبغي له أن يسترضي ربه قبل لقائه، ويعمر بيته قبل
انتقاله إليه إضاعة
الوقت أشد من الموت؛ لأن إضاعة الوقت تقطعك عن الله، والدار الآخرة، والموت
يقطعك عن الدنيا وأهلها
الدنيا من أولها إلى آخرها لا تساوي غم ساعة؛ فكيف بغم العمر؟ محبوب اليوم يعقب المكروه غداً، ومكروه اليوم يعقب الراحة
غداً أعظم الربح في الدنيا أن تشغل نفسك كل وقت بما هو أولى بها،
وأنفع لها في معادها
. المخلوق إذا خفته استوحشت منه، وهربت منه، والرب - تعالى -
إذا خفته أنست به، وقربت إليه دافع الخطرة؛ فإن لم تفعل صارت شهوة وهمة؛ فإن لم تدافعها
صارت فعلاً، فإن لم تتداركه بضده صار عادة؛ فيصعب عليك الانتقال عنهامَنْ عَظُم وقار الله في قلبه أن يعصيه - وقَّره الله في
قلوب الخلق أن يذلوه- مثال تولُّد الطاعة، ونموِّها، وتزايدها - كمثل نواة غرستها،
فصارت شجرة، ثم أثمرت، فأكلتَ ثمرها، وغرستَ نواها؛ فكلما أثمر منها شيء
جنيت ثمره، وغرست نواه.
وكذلك تداعي المعاصي؛ فليتدبر اللبيب هذا
المثال؛ فمن ثواب الحسنةِ الحسنةُ بعدها، ومن عقوبة السيئة السيئةُ بعدها ليس العجب من مملوك يتذلل لله، ولا يمل خدمته مع حاجته
وفقره؛ فذلك هو الأصل.
إنما العجب من مالك يتحبب إلى مملوكه بصنوف
إنعامه، ويتودد إليه بأنواع إحسانه مع غناه عنه.
إياك والمعاصي؛
فإنها أذلت عزَّ ( اسجدوا ) وأخرجت إقطاع ( اسكن ) الذنوب جراحات، ورب جرح وقع في مقتللو خرج عقلك من سلطان هواك عادت الدولة لهإذا عرضت نظرة لا تحل فاعلم أنها مسعر حربٍ؛ فاستتر منها
بحجاب ( قل للمؤمنين ) فقد سلمت من الأثر، وكفى الله المؤمنين القتال اشتر نفسك؛ فالسوق قائمة، والثمن موجود
- لا بد من سِنَةِ الغفلة، ورُقاد الهوى، ولكن كن خفيفَ النوماخرج بالعزم من هذا الفناء الضيق، المحشوِّ بالآفات إلى
الفناء الرحب، الذي فيه ما لا عين رأت؛ فهناك لا يتعذر مطلوب، ولا يفقد
محبوب قيل لبعض العباد: إلى كم تتعب نفسك؟ قال: راحَتها أريد.]
القواطع محنٌ يتبين بها الصادق من الكاذب؛ فإذا خضتها انقلبت
أعواناً لك، توصلك إلى المقصود الدنيا كامرأة بغيٍّ لا تثبت مع زوج، وإنما تخطب الأزواج؛
ليستحسنوا عليها؛ فلا ترضَ بالدياثة من أعجب الأشياء أن تعرفه، ثم لا تحبه، وأن تسمع داعِيَهُ ثم
تتأخر عن الإجابة، وأن تعرف قدر الربح في معاملته ثم تعامل غيره، وأن تعرف
قدر غضبه ثم تتعرض له، وأن تذوق ألم الوحشة في معصيته ثم لا تطلب الأنس
بطاعته، وأن تذوق عصرة القلب في غير حديثه والحديث عنه ثم لا تشتاق إلى
انشراح الصدر بذكره و مناجاته، وأن تذوق العذاب عند تعلق القلب بغيره، ولا
تهرب منه إلى نعيم الإقبال عليه، والإنابة إليه وأعجب من هذا علمك أنك لا بد لك منه، وأنك أحوج شيء إليه
وأنت عنه معرض، وفيما يبعدك عنه راغب لما رأى المتيقظون سطوةَ الدنيا بأهلها، وخداع الأمل
لأربابه، وتملك الشيطان، وقياده النفوس،
ورأوا الدولة للنفس الأمارة -
لجئوا إلى حصن التعرض، والالتجاء كما يلتجأ العبد المذعور إلى حرم سيده
اشتر نفسك اليوم؛ فإن السوقَ قائمة، والثمن موجود، والبضائع
رخيصة، وسيأتي على تلك السوق والبضائع يومٌ لا تصل فيه إلى قليل، ولا كثير
ذلك يوم التغابن ) ( يوم يعض الظالم على يديه ) العمل بغير إخلاص، ولا اقتداء كالمسافر يملأ جرابه رملاً
يثقله، ولا ينفعه إذا حملت على القلب هموم الدنيا وأثقالها، وتهاونت بأوراده
التي هي قوته وحياته كنت كالمسافر الذي يحمل دابته فوق طاقتها، ولا يوفيها
علفها؛ فما أسرع ما تقف به